أحكام تخص المرأة في الصلاة
أولاً: تنبيهات عامة
من كتاب : تنبيهات على أحكام تختص بالمؤمنات
لفضيلة الشيخ الدكتور : صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
الفصل الخامس في بيان أحكام تختص بالمرأة في صلاتها
حافظي أيتها المسلمة على صلاتك بأدائها في أوقاتها مستوفية لشروطها وأركانها وواجباتها .
يقول الله تعالى لأمهات المؤمنين :
(وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) .
وهذا أمر للمسلمات عمومًا . فالصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الإسلام ، وتركها كفر يخرج من الملة .
فلا دين ولا إسلام لمن لا صلاة له من الرجال والنساء .
وتأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر شرعي إضاعة لها . قال الله تعالى :
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ) .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير في تفسيره عن جمع من أئمة المفسرين أن معنى إضاعة الصلاة إضاعة مواقيتها بأن تصلى بعدما يخرج وقتها ؛
وفُسِّر الغي الذي يلقونه بأنه الخسار وفُسِّر بأنه واد في جهنم .
وللمرأة أحكام في الصلاة تختص بها عن الرجال وإيضاحها كما يلي :
1 - ليس على المرأة أذان ولا إقامة . لأن
الأذان شُرِعَ له رفع الصوت والمرأة لا يجوز لها رفع صوتها ولا يصحَّان
منها . قال في المغني لا نعلم فيه خلافًا .
2 - كل المرأة عورة في الصلاة إلا وجهها ، وفي كفيها وقدميها خلاف .
وذلك كله حيث لا يراها رجل
غير محرم لها، فإن كان يراها رجل غير محرم لها وجب عليها سترها كما يجب
عليها سترها خارج الصلاة عن الرجال .
فلا بد في صلاتها من تغطية رأسها ورقبتها ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهور قدميها .
قال صلى الله عليه وسلم :
(لا يقبل الله صلاة حائض - يعني من بلغت الحيض - إلا بخمار)
[ رواه الخمسة ] .
والخمار ما يغطي الرأس والعنق .
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم :
أتصلي المرأة في درع وخمار بغير إزار ؟
قال : (إذا كان الدرع سابغًا يغطي ظهور قدميها )
[ أخرجه أبو داود وصحح الأئمة وقفه ] .
دلّ الحديثان على أنه لا بد في صلاتها من
تغطية رأسها ورقبتها كما أفاده حديث عائشة ومن تغطية بقية بدنها حتى ظهور
قدميها كما أفاده حيث أم سلمة .
ويباح كشف وجهها لإجماع أهل العلم على ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى :
فإن المرأة لو صلت وحدها كانت مأمورة بالاختمار ، وفي غير الصلاة يجوز لها كشف رأسها في بيتها .
فأخذ الزينة في الصلاة حقٌّ لله فليس لأحد أن يطوف بالبيت عريانًا ولو كان وحده بالليل ،
ولا يصلي عريانًا ولو كان وحده .
إلى أن قال : فليست العورة في الصلاة مرتبطة بعورة النظر لا طردًا ولا عكسًا .
انتهى .
قال في المغني :وأما سائر بدن المرأة الحرة فيجب ستره في الصلاة وإن انكشف منه شيء لم تصح صلاتها إلا أن يكون يسيرًا .
وبهذا قال مالك والأوزاعي والشافعي .
3 - ذكر في المغني أن المرأة تجمع نفسها في الركوع والسجود بدلًا من التجافي ،
وتجلس متربعة أو تسدل رجليها وتجعلهما في جانب يمينها بدلًا من التورك والافتراش لأنه أستر لها .
وقال النووي في المجموع : قال الشافعي رحمه الله في المختصر :
ولا
فرق بين الرجال والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم
بعضها على بعض وأن تلصق بطنها بفخذيها في السجود كأستر ما تكون ،
وأُحِبَّ ذلك لها في الركوع وفي جميع الصلاة .
انتهى .
4 - صلاة النساء جماعة بإمامة إحداهن فيها خلاف بين العلماء بين مانع ومجيز ،
والأكثر على أنه لا مانع من ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أم ورقة أن تؤم أهل دارها
[ رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة ] .
وبعضهم يرى استحباب ذلك لهذا الحديث . وبعضهم يرى أنه غير مستحب،
وبعضهم يرى أنه مكروه، وبعضهم يرى جوازه في النفل دون الفرض .
ولعل الراجح استحبابه .
ولمزيد الفائدة في هذه المسألة يراجع المغني والمجموع للنووي .
وتجهر المرأة بالقراءة إذا لم يسمعها رجال غير محارم .
5 - يباح للنساء الخروج من البيوت للصلاة مع الرجال في المساجد ،
وصلاتهن في بيوتهن خير لهن . فقد روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ، وقال صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد وبيوتهن خير لهن)
[ رواه أحمد وأبو داود ] .
فبقاؤهن في البيوت وصلاتهن فيها أفضل لهن من أجل التستر .
وإذا خرجت إلى المسجد للصلاة فلا بد من مراعاة الآداب التالية :
1 - تكون مستترة بالثياب والحجاب الكامل . قالت عائشة رضي الله عنها :
كان النساء يصلين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينصرفن متلفعات بمروطهن ما يُعرفن من الغلس .
[ متفق عليه ] .
2 - أن تخرج غير متطيبة لقوله صلى الله عليه وسلم :
(لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تَفِلات)
[ رواه أحمد وأبو داود ] .
ومعنى ( تفلات ) أي غير متطيبات .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(أيُّما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة)
[ رواه مسلم وأبو داود والنسائي ] .
وروى مسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود :
إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبًا
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار :
فيه دليل على أن خروج النساء إلى المساجد إنما يجوز إذا لم يصحب ذلك ما فيه فتنة وما هو من تحريك الفتنة نحو البخور .
وقال : وقد حصل من الأحاديث أن الإذن للنساء من الرجال إلى المساجد إذا لم يكن في خروجهن ما يدعو إلى الفتنة من طيب أو حلي أو أي زينة .
انتهى .
3 - أن لا تخرج متزينة بالثياب والحلي . قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى من النساء ما رأينا لمنعهن من المسجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها
[ متفق عليه ] .
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار : على قول عائشة :
لو رأى ما رأينا يعني من حسن الملابس والطيب والزينة والتبرج . وإنما كان النساء يخرجن في المُرُط والأكسية والشملات الغلاظ .
وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كتاب أحكام النساء :
ينبغي للمرأة أن تحذر من الخروج مهما أمكنها إن سلمت في نفسها لم يسلم الناس منها .
فإذا اضطرت إلى الخروج خرجت بإذن زوجها في هيئة رثة ،
وجعلت طريقها في المواضع الخالية دون الشوارع والأسواق،
واحترزت من سماع صوتها ومشت في جانب الطريق لا في وسطه .
انتهى .
4 - إن كانت المرأة واحدة صفت وحدها خلف الرجال لحديث أنس رضي الله عنه حين صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
قمت أنا واليتيم وراءه وقامت العجوز من ورائنا
[ رواه الجماعة إلا ابن ماجه ] .
وعنه : صليت أنا واليتيم في بيتنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأمي خلفنا - أم سليم -
[ رواه البخاري ] .
وإن كان الحضور من النساء
أكثر من واحدة فإنهن يقمن صفًّا أو صفوفًا خلف الرجال لأنه صلى الله عليه
وسلم كان يجعل الرجال قدَّام الغلمان والغلمان خلفهم والنساء خلف الغلمان
[ رواه أحمد ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
(خير صفوف الرجال أولها وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)
[ رواه الجماعة إلا البخاري ] .
ففي الحديثين دليل على أن النساء يكنّ صفوفًا
خلف الرجال ولا يصلين متفرقات إذا صلين خلف الرجال ، سواء كانت صلاة فريضة
أو صلاة تراويح .
5 - إذا سها الإمام في الصلاة فإن المرأة تنبهه بالتصفيق ببطن كفها على الأخرى لقوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ولتصفق النساء )
وهذا إذن إباحة لهن في التصفيق في الصلاة عند نائبة تنوب ومنها سهو الإمام .
وذلك لأن صوت المرأة فيه فتنة للرجال فأُمرت بالتصفيق ولا تتكلم .
6 - إذا سلم الإمام بادرت النساء بالخروج من المسجد وبقي الرجال جالسين لئلا يدركوا من انصرف منهن لما روت أم سلمة قالت:
إن النساء كن إذا سلمن من
المكتوبة قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما
شاء الله . فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال
قال الزهري : فنرى ذلك والله أعلم أن ذلك لكي ينفذ من ينصرف من النساء .
[ رواه البخاري ] .
قال الإمام الشوكاني في نيل الأوطار الحديث فيه أنه :
يستحب للإمام مراعاة
أحوال المأمومين والاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحظور واجتناب مواقع
التُّهمِ وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلًا عن البيوت .
انتهى[/size]